رفعت وحدة أبحاث الإيكونوميست للشهر الثانى على التوالى توقعاتها لنمو الاقتصاد المصرى إلا أن تقييمها للجوانب الاجتماعية ما زال سلبيا.
«نتوقع أن يحقق الاقتصاد المصرى نموا بنسبة 4.2% بنهاية العام المالى الحالى، بدلا من 3.8% فى توقعاتنا الشهر الماضى، وأن يكتسب دفعة أقوى خلال الأعوام 2011ــ2020، عندما يصل النمو إلى 6% فى المتوسط»، هكذا ترى وحدة أبحاث الإيكونوميست (EIU) آفاق الاقتصاد المصرى فى الأعوام المقبلة.
وترتفع توقعات الإيكونوميست عن توقعات الحكومة المصرية، كما كشفت عنها خطة الحكومة للعام المالى القادم، التى تشير إلى 4% نموا فى 2009/2010.
وكان صندوق النقد الدولى قد توقع، فى أحدث تقاريره عن مصر مساء أمس الأول، أن تتراوح معدلات النمو المحلى ما بين 4 و4.5% خلال العام المالى الحالى، والتى اعتبرها «صحية بالنظر إلى البيئة العالمية»، على حد تعبيره.
«كل التوقعات الإيجابية للمؤسسات الدولية مبنية على التوقعات الخارجية المتفائلة»، كما علقت شيرين شواربى، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، مضيفة أن الصدمة التى لحقت بالاقتصاد المصرى كانت خارجية، وبالتالى عندما تتجه هذه العوامل الخارجية إلى التلاشى، «من الطبيعى أن يغلب التفاؤل على الرؤية الخاصة بالاقتصاد المحلى».
وأشارت الشواربى إلى أن سرعة التعافى فى الدول النامية أقل منها فى الدول المتقدمة، وبالتالى فإذا كان من المتوقع أن تستغرق الدول المتقدمة عامين فى القدرة على التعافى من آثار الأزمة، فإن دولة مثل مصر قد تستغرق أربع سنوات حتى تتمكن من الوصول إلى معدلات نموها قبل الأزمة (7%).
ومن وجهة نظر الإيكونوميست، «جاذبية مصر ستزيد بشكل كبير خلال الفترة المقبلة»، مستندة فى ذلك إلى الإمكانات الهائلة الذى يتمتع بها السوق المحلية، والتكلفة المنخفضة للقوى العاملة بها، إلى جانب الاستمرار المتوقع للإصلاحات الاقتصادية الجارية، بما فيها خفض الضرائب، وتعزيز ثقة المستثمرين من القطاع الخاص، ورفع معدلات الاستهلاك، وكلها عوامل «تؤكد وجود إمكانية كبيرة للنمو خلال السنوات الخمس المقبلة»، على حد تعبيرها.
وفى مواجهة ذلك أشارت وحدة الأبحاث إلى عدد من العوائق التى قد تعرقل الاقتصاد خلال مسيرة نموه، والمتمثلة فى الزيادة الهائلة فى الواردات، وبعض الاختناقات الهيكلية فى سوق العمل المصرى، بالإضافة إلى اعتماد مصر الكبير على قطاع السياحة، الأمر الذى يجعلها عرضة للتوتر الإقليمى.
كما رهنت المؤسسة الدولية نجاح الاقتصاد المصرى فى الوصول إلى معدلات النمو المتاحة بإدخال «تحسينات جوهرية لزيادة الكفاءة السياسية والمؤسسية»، مثل زيادة كفاءة البيروقراطية ووضع نظام قانونى وتجارى أكثر فعالية.
سياسات مالية ونقدية داعمة للنمو
كان صندوق النقد الدولى قد أشار فى تقريره إلى أن «مصر تمكنت من عبور الأزمة المالية بشكل جيد نسبيا»، مرجعا ذلك إلى الإجراءات المالية والنقدية، التى ساعدت فى الحد من تأثير التباطؤ العالمى على النشاط الاقتصادى المحلى.
وكانت الحكومة قد تبنت سياسة مالية توسعية، تهدف بالأساس إلى زيادة الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية ودعم الاستثمار والصادرات، وفى هذا السياق توقعت الإيكونوميست أن تستمر الحكومة فى سياساتها التوسعية خلال العام المالى 2009/2010.
وقد تؤول خطة التحفيز إلى زيادة «معقولة» فى العجز المالى فى 2008/2009، ليصل إلى 7.1% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، وليرتفع إلى 8.4% فى 2009/2010، مقارنة بنحو 6.8% فى 2007/2008.
وعلى صعيد السياسة النقدية، توقع التقرير قيام البنك المركزى بتخفيض أو اثنين آخرين لسعر الفائدة فى نهاية 2009، أو بداية 2010.
وكان المركزى قد قرر خفض الفائدة 4 مرات خلال العام الحالى، لتحفيز الإقراض والإنفاق الاستهلاك، بهدف دفع عجلة النشاط الاقتصادى. كان آخرها فى 18 من الشهر الماضى، عندما خفض الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية، ليصل معدلها على الإقراض إلى 10.5%، وإلى 9% على الودائع.
فقراء مصر أكثر المتضررين
تخشى الإيكونوميست من الآثار الاجتماعية السلبية لتراجع معدلات النمو خلال الأعوام المقبلة، مقارنة بمعدلات ما قبل الأزمة، مشيرة إلى أن «الفقراء هم الذين سيتضرون ويتأثرون بشكل كبير»، وبالرغم من أنها توقعت أن يرتفع نصيب دخل الفرد من الناتج المحلى الإجمالى إلى 4.4% خلال الفترة 2011ــ2020، مقابل 2.1% فى العام المالى الحالى، إلا أنها أشارات إلى أن «هذه البيانات تُخفى وراءها الفجوة العميقة الموجودة بالفعل بين الأغنياء والفقراء، والتى سترتفع فى الفترة المقبلة»، على حد تعبيرها.
وتعلق الشواربى على ذلك بقولها إن المشكلة الرئيسية فى مصر هى «وجود تكتلات كثيرة حول خط الفقر، وبالتالى عندما تحدث أى صدمة، تكون الفئات الأقل دخلا والمتوسطة الدنيا هى أول من يتأثر بها»، مضيفة «إننا نخشى من نمو أقل من 5%، لأنه يعمق الفجوة بين الأقل والأعلى دخلا».